أدت الأزمات المتتالية في مجال الطاقة والغذاء والاقتصاد والمال التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة إلى تزايد ملحوظ من حيث الكم والكيف في طلب البيانات والمعلومات الاحصائية، كان لقطاع الإحصاء والمعلومات بالمملكة العربية السعودية حظاً وافراً منه، وذلك نظراً للمكانة البارزة التي تتمتع بها المملكة في المنظومة الدولية والدور الأساسي الذي يلعبه على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما أن التقدم الملحوظ لتقنيات المعلومات والاتصالات أدى إلى التسريع بالطلب على معلومات إحصائية تتسم بالآنية والشمولية والموثوقية والمرونة. وعلى الصعيد الوطني فإن التطوير المستمر للمسار التنموي في المملكة يحتاج هو الآخر إلى إحصاءات أكثر دقة وشمولية وآنية لدعم صنع القرار ورسم السياسات ورصد مدى التقدم وتقييم الآثار والأداء.
إن الاستجابة المستمرة لهذه الطلبات المتزايدة كماً وكيفاً تقتضي من قطاع الإحصاء والمعلومات بالمملكة ايجاد آلية تمكنه من مواصلة تطوير عمله بشكل مستدام، وبمواكبة المستجدات ذات الصلة داخل وخارج المملكة في نفس الوقت. لذا تعين على القطاع إعدادُ استراتيجية وطنية للتنمية الإحصائية تعتبر الأولى من نوعها على مستوى المملكة، بإشراف مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات بوصفها الجهاز المركزي للإحصاء والمنظم له. وتأتي هذه الخطوة أيضاً تمشياً مع ما تضمنه الإطار العام للاستراتيجية الإحصائية الموحدة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي صادق عليه مجلس الوزراء الموقر في شهر ذي القعدة من عام 1431هـ الموافق (أكتوبر 2010م).
وقد اعتمد قطاعُ الإحصاء والمعلومات عند إعداد هذه الاستراتيجية المعايير الدولية في هذا المجال، والتي من أهمها مشاركة ومساهمة الفاعلين الرئيسين في العمل الإحصائي والمعلوماتي من مستخدمين ومنتجين للبيانات والمعلومات الإحصائية، وذلك لبناء شراكة حقيقية تضمن تبني الاستراتيجية من قبل المعنيين، والاستفادة من الخبرات والتجارب، وتظافر الجهود من أجل النهوض بهذا القطاع الحيوي.
تحليل الوضع الراهن: أوضح تحليل الوضع الراهن لقطاع الإحصاء والمعلومات بالمملكة، والذي يمثل أساسَ ونقطةً انطلاق إعداد الاستراتيجية، أن القطاع يشكل أولوية مهمة لدى الدولة، كما أنه شهد تطوراً ملحوظاً للإنتاج الإحصائي - سواء تعلق ذلك بالسجلات الإدارية أو بالعمليات الميدانية من تعدادات ومسوح وأبحاث – وللنظم الإحصائية ولأساليب النشر، وفي استخدام التقنيات الحديثة. لكن لا تزال ثمة عقبات قد تواجه العمل الإحصائي وتحديات تجب معالجتها من أجل تحقيق تقدم ملحوظ خلال وقت قياسي. وتشمل هذه العقبات والتحديات أموراً عديدة منها ما هو متعلق بالمجتمع، مثل ضعف الوعي الإحصائي، ومنها ما يخص المستخدمين مثل تحليل الأرقام من غير المتخصصين وعدم الرجوع إلى المصادر الرئيسة في بعض الحالات، ومنها ما يخص المنتجين كالقصور في بعض السجلات الإدارية وفي توفير بعض البيانات المطلوبة من قبل بعض المجموعات والمنظمات الدولية مثل مجموعة العشرين (G20)، حيث المملكة عضو فيها، وفي أسلوب صياغة ونشر التقارير الإحصائية، وغيرها.
الرؤية والرسالة والمبادئ: بناءً على التشخيص الدقيق للوضع الراهن لواقع العمل الإحصائي في القطاع ودراسة توقعات الطلب للبيانات والمعلومات الإحصائية في المستقبل، تأسست الرؤية بعيدة المدى لقطاع الإحصاء والمعلومات في المملكة (نهاية عام 51/1452هـ، الموافق 2030م) والتي يطمح بمقتضاها، ضمن أمور عديدة، إلى " قطاع إحصائي و معلوماتي كفؤ و فعال يلبي احتياجات المستفيدين بمهنية وجودة عالية و يتمتع بمصداقية." كما تم توضيح رسالة القطاع وبيان المبادئ التي تحكم عمله والتي تستند بشكل أساسي إلى مبادئ الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة، وبما يتوافق مع ثوابت المجتمع السعودي، مع التركيز على المهنية، والنزاهة، والشفافية، والمشاركة، والجدية في العمل، والإدارة الهادفة إلى تحقيق النتائج.
محاور الخطة الاستراتيجية الوطنية الإحصائية 2030
لتحقيق الرؤية الطموحة للقطاع، ترتكز الاستراتيجية الوطنية للتنمية الإحصائية على خمسة محاور استراتيجية متكاملة وترسم أهدافاً بعيدة المدى، حتى عام 1452/51 هـ الموافق (2030م)، على النحو التالي:
محور استخدام البيانات والمعلومات الإحصائية (الطلب)، ويهدف إلى:
- تحسن ملحوظ ومستمر في استخدام البيانات والمعلومات الإحصائية بشكل صحيح
- الحفاظ على مستوى عالٍ من رضا المستخدمين
محور انتاج البيانات والمعلومات الإحصائية (العرض)، ويسعى إلى:
- تلبية احتياجات كافة المستخدمين بتوفير بيانات ومعلومات إحصائية سهلة الاستخدام، وبالتوقيت المناسب
- تعزيز جودة المنتجات والخدمات الإحصائية، من خلال تطبيق أحدث المعايير والأساليب والتصانيف الدولية في جمع ومعالجة وتحليل ونشر البيانات
- زيادة الاعتماد على السجلات الإدارية كمصدر رئيس للإحصاءات الرسمية
محور التقنيات الحديثة، ويهدف على وجه الخصوص:
- استخدام أحدث التقنيات في كل العمل الإحصائي (وفق التطورات والمستجدات في المجال)
- تطوير البنية التحتية الرقمية
محور الاتصال والتوعية، ومن أبرز أهدافه:
- تعزيز المعرفة الإحصائية والوعي بأهمية الإحصاء لدى المجتمع
- إرساء ثقافة الاتصال والتعاون والشفافية
محور الحوكمة، ويسعى إلى:
- رفع فعالية القطاع الإحصائي وتقليص الفجوة بين مكوناته
- تطوير الموارد البشرية الوطنية، واستقطاب المواطنين أصحاب المهارات المتميزة
- إدارة الموارد المالية بكفاءة وفاعلية
وينبثق من الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى أهداف قصيرة المدى وهي كالتالي:
- إشراك حقيقي ومستمر لمستخدمي البيانات والمعلومات في العمل الإحصائي
- الوقوف على الاحتياجات الاحصائية الحالية والمستقبلية لرؤية المملكة 2030
- تحقيق مستوى عالٍ من رضا المستخدمين للبيانات والمعلومات الإحصائية
- تلبية احتياجات رؤية المملكة 2030 الاحصائية والتزامات المملكة الدولية والإقليمية
- تحقيق الانضمام إلى المعيار الخاص SDDS)) المعتمد من قبل صندوق النقد الدولي
- تحقيق المتطلبات الحالية والمستقبلية لعضوية المملكة في مجموعة العشرين (G20)
- تحقيق العناصر اللازمة لإجراء التعداد العام للسكان والمساكن 2020م عن طريق السجلات الإدارية
- تعميم استخدام التقنيات الحديثة في كافة مراحل العمل الإحصائي
- تحقيق الربط الإلكتروني بين الهيئة والسجلات الإدارية ذات الأولوية
- رفع الوعي الإحصائي لدى المجتمع
- تفعيل مكونات القطاع الإحصائي على مراحل
- تطوير الموارد البشرية الوطنية من خلال إعداد برنامج خاص لهذا الشأن
- تعزيز الشراكات الاستراتيجية بين الهيئة ومختلف مكونات القطاع الإحصائي
- إرساء ثقافة الإدارة القائمة على تحقيق النتائج
- إدارة الموارد المالية بكفاءة وفاعلية
مساهمات الفاعلين الرئيسين: يتطلب تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية الإحصائية بشكل ناجح تظافرَ جهود كافة الفاعلين من مستخدمي ومنتجي البيانات والمعلومات الإحصائية في المملكة. لذا يشكل الاهتمامُ بالمستخدمين على تعدد فئاتهم واختلاف مؤهلاتهم وإشراكُهم بصورة فعلية أحدَ أهم محاور الاستراتيجية. أما بالنسبة لمنتجي البيانات، فلا شك أن من أهم مسؤولياتهم انتاجُ وتحليلُ ونشرُ بيانات ومعلومات إحصائية موثوقة وحديثة وتلبي احتياجات المستخدمين وتتاح في الوقت المناسب، بالإضافة إلى المساهمة في التوعية ونشر الثقافة الإحصائية في المجتمع.
كما أن نجاح الاستراتيجية يتطلب مساهمة التعاون الثنائي والإقليمي والدولي، بالإضافة إلى مشاركة أكثر فعالية من قبل القطاع الإحصائي في المحافل الدولية، وذلك لمتابعة ما يحدث من تطورات في المنهجيات والمعايير والأساليب والتصانيف والطرق الإحصائية، والمساهمة فيها.
خطة العمل خلال سنوات خطة التنمية العاشرة: تتميز المرحلة الأولى من تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية الإحصائية، والتي تمتد طوال سنوات خطة التنمية العاشرة 1437/36 - 1441/40 هـ الموافق (2015-2019م)، بالتركيز على تعزيز البرامج والمشاريع والأنشطة الجارية واستكمال تنفيذها، مثل مشروع قاعدة البيانات الوطنية، وما تقوم به الإدارات والمراكز والوحدات الإحصائية من جهود لتطوير أعمالها. وسيسعى قطاع الإحصاء والمعلومات إلى تحقيق تكامل هذه الجهود من خلال تبادل التجارب بين الجهات بغية الاستفادة من التجارب الناجحة وتفادي تكرار الأخطاء. كما تركز المرحلة الأولى أيضاً على الجهود التي من شأنها أن تساهم في بلوغ الأهداف الجديدة للاستراتيجية مثل إجراء التعداد العام للسكان والمساكن لعام (2020م) عن طريق السجلات الإدارية، ورفع الوعي الإحصائي، وزيادة استخدام البيانات والمعلومات الإحصائية، ومواجهة الطلب المتزايد على البيانات والمعلومات الإحصائية، وغيرها، وذلك عبر البدء في تنفيذ العناصر ذات الصلة وإجراء التعديلات اللازمة بشكل تدريجي.
التنفيذ والرصد والتقييم والتحديث: تعتبر الاستراتيجية الوطنية للتنمية الإحصائية عملية تكرارية، تتحسن تدريجياً مع الأخذ بعين الاعتبار الدروس المستخلصة من تنفيذها، وتُثرى بالمستجدات في الاستراتيجيات وخطط العمل التنموية الوطنية وبأفضلِ الممارسات الدولية. وسيتم تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال خطط عمل خمسية بالتوازي مع خطط التنمية، بدءاً بخطة التنمية العاشرة، كما سبق. وفي هذا النطاق، ستقوم كافة الجهات المكونة لقطاع الإحصاء والمعلومات بإعداد وتنفيذ خطط تنفيذية مفصلة، كل في مجال تخصصه، وستتولى الهيئة العامة للإحصاء دعم وتنسيق هذه الجهود لضمان تكاملها.
كما سيتم رصد دقيق للإنجازات والنتائج ومستوى التنفيذ، وإعداد ونشر تقرير سنوي حول تنفيذ الاستراتيجية، بالإضافة إلى إجراء تقييمين في كل مرحلة خمسية (عند منتصف المرحلة وبعد انتهائها)، والتحديث الدوري للاستراتيجية بناءً على الدروس المستخلصة من كل هذه العناصر وعلى المستجدات ذات الصلة داخل وخارج المملكة.